هشام عباس زكريا يكتب : تجدد أزمة صناعة الصحافة في السودان

 

إن صناعة الصحافة في السودان مواجهة بأزمة حقيقية في ظل ارتفاع أسعار الورق والعمل على استيراد الرديء منه مما إنعكس على شكل الصحيفة السودانية التي تتسم بالفقر والتواضع حيث إن نوعية الورق تؤسس للفخامة وتدخل الإرتياح عند القارئ.
* إضافة إلى ذلك فإن السودان يمتلك فقط (9) مطابع صحفية معظمها في حوزة جهات حكومية بشكل مباشر أو غير مباشر إضافة إلى (8) دور نشر تواجه مشكلات اقتصادية بسبب زيادة أسعار النقل وعدم دعم الحكومة لترحيل المطبوعات كما هو الحال في العديد من البلدان العربية والأوربية.
* خلال العام 2010م وحتى الآن صدرت في السودان حوالي (68) صحيفة توقف عدد منها عن الصدور بسبب التمويل في أغلب الأحيان والصورة الإرتجالية وغير المدروسة التي قامت على أساسها.
* إن تخلي الدولة في ظل هذه الظروف عن دعم العمل الصحفي نهائياً في تقديري ليس نوعاً من تعميق الحرية الصحفية بقدر ما هو مساهمة في قيام مؤسسات صحفية غير قادرة على مواجهة السوق الإقتصادي والتوازن بين الإيرادات والمنصرفات والتسيير.
* لقد ساهمت مؤسسات الصحافة والأيام في عهد الرئيس الأسبق نميري في تدريب أغلب القيادات الصحفية الآن رغم رأينا في الطريقة التي كانت تدير بها الدولة هذه الصحف ولكننا نحتاج إلى طريقة هجين تحفظ استقلالية الصحف مع النظر إليها كمؤسسات وطنية مثل مؤسسة الأهرام المصرية ومثل هذه المؤسسات يمكن أن تعمق من استقرار الصحفيين وممارسة عملهم بعيداً عن الضغوطات الإدارية والتهديد من الشركات.
* لقد انعكس هذا الواقع على صحافة تعاني كثيراً من المشكلات المهنية والإدارية وافتقادها لبعض التخصصات ذات الأهمية مثل الصحافة العلمية وصحافة الأطفال والمرأة وغير ذلك من الصحافة المتخصصة.
* إن عدم وجود صحافة حكومية بجانب الصحافة الخاصة أضر بإيصال وجهة النظر الحكومية، وفي تقديري أن اختباء الحكومة وراء شخصيات صحفية ورجال أعمال ينعكس على مضامين المادة وتشويشهها حيث إن الصحف غير الحكومية حتى وإن أفسحت مساحة لوجهة النظر الحكومية عبر مسؤوليها فإنها تضع قضية الربح والخسارة والتوزيع هي الأهم بغض النظر عن الرؤية الحكومية.
* إن واحدة من إفرازات هذا الواقع أن الصحافة السودانية تفتقد عموماً لصفة القومية حيث تزيد نسبة التوزيع في العاصمة الخرطوم عن 71% حسب آخر دراسة عن واقع الصحافة السودانية.
* إضافة إلى ذلك فإن فقر المؤسسات الصحفية في السودان جعل الصحفيون يهتمون بالخبر ويهملون الأشكال الصحفية الأخرى مثل التقارير والتحليلات التي تحتاج لجهد ومال ومتابعة لجمع المعلومات مما أحدث خللاً مهنياً واضحاً.
* إن الأعداد المتزايدة للمؤسسات الصحفية وفقرها جعل الإدارات العليا في التحرير في حالة أزمة مستمرة فهم بهذا الواقع مواجهين بمشكلة التعامل مع كتاب وصحفيين دون المعايير المطلوبة في بعض الأحيان مما يوقع الصحف في بعض المشكلات المهنية ولعل ذلك من القضايا غير المرئية للقارئ والتي يعاني منها رؤساء التحرير.
* إن الخروج من أزمة صناعة الصحافة في السودان يبدأ بتكوين مؤسسات صحفية رائدة قائمة على أسس مهنية قادرة على أداء مهامها تجاه الجمهور الذي توجه إليه رسالتها وتجاه العاملين من صحفيين وفنيين بشكل يصحح بيئة العمل وتضمن حقوقهم.
* ولابد من تبني سياسة تعمل على إنشاء مطابع صحفية في ولايات السودان المختلفة لتوطين صناعة الصحف ومحاربة (خرطمة) المضمون الصحفي.
* إن دعم الدولة لاستيراد مواد الطباعة والورق والترحيل لا يتعارض مع قضايا الحرية الصحفية فلا بدَّ على التأكيد على أن ضمان حرية الصحافة وتوفير متطلبات نهوضها هو المقدمة لبناء مجتمع مدني يتسم بالمصداقية ويعزز استقلال الوطن وتقدمه.
* إن المرحلة الإنتقالية لصحافة متقدمة تبدأ في تقديري في دعوة الصحف للاندماج في شركات مساهمة عامة لتكوين مؤسسات صحفية ضخمة ترتقي إلى مستوى المعايير الإقليمية والدولية.
* وحتى نصل إلى هذا العمل نقدم دعوة لكل المؤسسات الصحفية لعمل أدلة تحرير وإخراج خاصة لتعين العاملين على أداء عملهم بكل سهولة ويسر وتعين على توحيد شكل ومضمون الصحيفة.
* نقول ذلك وندعوا لمراجعة عامة لهيكلة الإعلام السوداني الذي فشل في التعبير عن الواقع السوداني والخروج من الحدود المحلية وتقديم ثقافة السودان حتى لأقرب المجتمعات لدينا.

 

التعليقات مغلقة.