الزبير سعيد يكتب : كأس العالم ..رسائل في بريد الآخر…!

من السذاجة أن يعتقد البعض بأن كأس العالم مجرد تنافس كروي من أجل الفوز بأغلى كأس ذهبية، ومن غير المعقول أن ننظر لإقامة هذه النسخة في دولة عربية ومسلمة على أن الأمر مجرد تغيير في المكان أو كسر لاحتكارية دول أوروبا وأمريكا لتنظيم هذه البطولة التي لم يكن أحد يتوقع أن تقام يوما في دولة تقع في الشرق الأوسط…
وبعد أن أصبح الأمر واقعا بدأت بعض الدول الأوروبية محاولة التشويش ولكن التنظيم المبهر الذي تجلى في الافتتاح أصاب تلك الألسن بالخرس وجعلها تذهب في اتجاه يعكس العقلية الاستعلائية المفهوم الاستعماري الذي تتعامل به تلك الدول مع عالمنا الثالث .
لقد أظهرت دولة قطر الشقيقة إمكانيات هائلة وقدرات أذهلت العالم من حيث القدرة على التنظيم والاهتمام بأدق التفاصيل وتهيئة كل شيء من أجل أن تكون نسخة ٢٠٢٢ بمثابة إنجاز تتحدث عنه الأجيال القادمة لسنوات طوال…
العالم الأول كان يرى بأن هذه الدولة الصغيرة حجما لن تتمكن من استضافة هذه البطولة التي ربما تم تصميمها على دول العالم الأول فقط من حيث إمكانية التنظيم والفوز باللقب كذلك …
قطر لم تنجح في التنظيم فقط، بل أدخلت الدول التي ستستضيف النسخة القادمة (٢٠٢٦) في محك حقيقي وهي(امريكا وكندا والمكسيك ) وهي المرة الأولى التي تتشارك ثلاث دول في التنظيم …
وإذا كانت قطر كدولة قد أكدت لكل العالم بأن دول العالم الثالث تستطيع فعل ما تعجز عنه بعض دول العالم الأول فإن منتخب السعودية أكد قدرته على التفوق على منتخب لا تحلم معظم منتخبات أوروبا وأمريكا بمجرد التعادل معه ، وكأنما أرادت الأقدار أن تقول لكل دول العالم الثالث أن نجاح قطر في التنظيم كان خير حافز لدول عالمنا الثالث بأن تتفوق على منتخبات أوروبا وأمريكا الجنوبية (تفوق السعودية على الارجنتين وانتصار اليابان على المانيا)…
سيكتشف العالم عقب هذه البطولة أن كأس العالم لم تعد مجرد تنافس داخل المستطيل الأخضر وان المباريات التي لم يتغير زمنها (٩٠ دقيقة)تغيرت العديد من قوانينها وقواعدها وان هناك قواعد جديدة ليس من حق (الفيفا) المصادقة عليها أو وضع شروط على الموافقة عليها ونعني قانون الطموح المطلق والرغبة في التفوق واثبات الذات وتأكيد القدرات وهنا فإن الأمر يعود إلى قراءة عميقة لانتصار السعودية على الارجنتين وتفوق اليابان على المانيا وهو مؤشر قوي ليؤكد بأن انسان العالم الثالث بدأ يدرك قيمة قدراته الذاتية وانه غادر مربع الخنوع إلى الأبد وأصبح يرى بوضوح أن التفوق حق مكفول لكل من يجتهد ويتعامل مع الوضع بمسؤولية تتسق مع رؤية واقعية وان عالمنا الثالث أصبح يميز ما بين الخوف من المنافس وبين احترامه الذي يحفز على التغلب عليه.
ما يجب الإشارة إليه هو أن منتخبات العالم الثالث ظلت لسنوات عديدة تحلم بمجرد الوصول إلى نهائيات كأس العالم وبما قانون الطبيعة يحض على مواكبة التطور فإن عالمنا الثالث أدرك أخيرا أن التفوق ليس ماركة مسجلة باسم دول العالم الثالث وان منتخبات العالم الثالث كان تخوض مبارياتها مع دول أوروبا وأمريكا وهي مهزومة معنويا وتسعى للخروج باقل الخسائر وهنا نجح إعلامنا في شرعنة قاعدة خائبة مفادها الهزيمة بشرف …
أيام وتنتهي بطولة كأس العالم ويعود الهدوء إلى الدوحة التي تعيش صخبا إبداعيا فريدا ولكن كل الذين زاروا الدوحة من أوروبا وأمريكا لن يكونوا هم ذاتهم قبل تلك البطولة وبعدها وأتوقع أن يلعب كأس العالم دورا مهما في تغيير العديد من المفاهيم الغربية عن الإسلام والعرب خاصة بعد أحداث ١١ سبتمبر وهنا لابد من الإشارة إلى أن أكثر الخاسرين من استضافة قطر لكأس العالم هي دولة الكيان الصهيوني وذلك لأن نظرة الغرب الإسلام والمسلمين قد تتغير بشكل يجعلهم يتعاملون مع القضية الفلسطينية بمفهوم جديد ومختلف .

التعليقات مغلقة.