اشراقة سيد محمود :حوار اليوم ودروس الأمس.. الوسيط والمبعوث الافريقى بروفيسير محمد الحسن ود لبات هل وقف الموقف الصحيح ؟؟

إشراقة سيد محمود
حوار اليوم ودروس الأمس
هل أطلق محمد ولد لبات الرصاص على وثيقة الاتفاق الثنائي في كتابه ( السودان على طريق المصالحة ) .
من يتحمل مسؤلية تلك الوثيقة التي اوصلت بلادنا الي هذا الحال ؟؟
كتب وليام دويل في مقارنة بين الثورة الانجليزية والفرنسية:
( كان بامكانهم ان يقوموا بحذر وتقدير واحترام لحكمة الاجداد، بتصحيح الاخطاء القليلة والصفح عما عدا ذلك تجاه مؤسساتهم واجهزة السلطة، ثم يديرون شئونهم بحرية وسلام كما فعل البريطانيون غير انهم اختاروا ان يتبعوا احلاما غير مسبوقة لعقلاء الامة ومفكريها وفلاسفتها الذين فقدوا كل ايمان بالسلطة الملكية التي كانت قائمة والنظام الاجتماعى الفاسد بل فقدوا ايضا الايمان بالرب نفسه وكانت النتيجة فوضى عارمة وحكم غوغاء ودهماء حاقدين على ماكل هو نظامي اوسلطوى)
مابين الثورة الانجليزية والفرنسية وموازين الثورات. نجد انفسنا مطالبين بتقييم السلوك السياسي والاجتماعي بعد ثورة ديسمبر تحت ثوب قيم الحرية والعدالة والمساواة
وهل تحولت تلك الحرية الي آلة ووسيلة للتدمير الشامل للوطن والي شموليه تجعل مصيرالشعب والوطن بيد دكتاتورية في ثوب من المدنية والديمقراطية.
كانت هذه مقدمة ندلف بعدها الي مقاربة مع ماحل ببلادنا بعد ثورة ديسمبر.
كثيرون وانا منهم حملوا الوسيط الافريقي ولدلبات مسؤولية مافيه بلادنا الان من ازمة. ومسؤلية تلك الوثيقة الكارثية، الفشل السياسي والاداري والاقتصادي ، نذر الحرب الاهلية وسقوط انفس عزيزة من اهل وشباب بلادنا في كل انحاء البلاد.
نتيجة كل ذلك عاد البحث مجددا عن حوار يجمع كل السودانيين وايجاد خارطة طريق آمنة للفترة الانتقالية وقيام الانتخابات.
في اجتماع تنسيقية الاحزاب الاتحادية بالآلية الثلاثية التي تضم فولكر ممثل اليونتامس والاتحاد الافريقي والايقاد.
وجهت حديثا مباشرا الي ولد لبات بان الاتحاد الافريقى وهو شخصيا يتحملون مسؤولية تلك النتائج الظالمة والاقصائية للتفاوض وتلك الوثيقة المنقوصة الضعيفة قانونيا. وكنت قد ذكرت هذا الحديث قبل ذلك الي مفوض السلم والامن الافريقي في زيارته الاخيرة اثناء مقابلاته مع القوى السياسية.
حقيقة تفآجأت برد البروفيسير ود لبات الذي بدأ فيه حزينا من تلك الاتهامات المباشرة له ودافع عن نفسه قائلا بانه
( تربى في مدرسة اليسار وتربى على النقد والنقد الذاتي، وانه ممتن للذين وجهوا نقدا للوثيقة)
قال بأنه( دافع عن عدم الأقصاء)
(ولكن الطرفان اصرا على الاقصاء وما كان امامي الا ان استقيل او اواصل المجهود)
وزاد على ذلك قول مهم وشديد الأهمية ( ان هذا الاتفاق ستكون فيه اتفاقات في الاتفاق، لأنني كنت اؤمن بعواره الذي سيظهر يوما ما).
اذن محمد ولد لبات يحمل المسؤلية كاملة للطرفين. ويبرئ ذمته من اي مسؤلية عن الفشل والظلم الذي نتج عن الوثيقة. بل ويقدم شهادة مهمة للتاريخ بان الوثيقة اتفاق ناقص اعتراه عوار وضعف وسيحتاج الي اتفاقات تعالج ذلك الاتفاق.
حديث ود لبات المهم والتاريخي هذا دفعني الي البحث عن كتابه: ( السودان على طريق المصالحة) الذي سرد فيه مشوار ذلك التفاوض وتفاصيله.
لم اكن قد قرأت الكتاب ولم اهتم له خاصة بعد ان اقتطف الاعلام منه بعد العبارات عن بعض الشخصيات في قوى الحرية والتغيير فأهملت قراءته يقينا مني ان قوى الحرية والتغيير التي مارست ذلك الاقصاء وذلك الفشل لاتستحق كتابا. وان كان هناك كتاب فلا اظنه يستحق القراءة.
بعد حديث ولد لبات بحثت عن الكتاب وقرأته.
ووجدت ان الكتاب وبعد سرده لكل تلك الوقائع وتقديم شهادة معاصر للاحداث وطرفا اساسيا فيه. الا ان أهم مافيه أنه اطلق الرصاص على الاتفاق اوتلك الوثيقة في مقدمة الكتاب. قائلا الاتي نصه:
( في الحالة السودانية تم اقرار الاستقطاب الثنائي من حيث المبدأ مابين المجلس العسكري الانتقالي وقوى اعلان الحرية والتغيير)
ويواصل ولد لبات اطلاق الرصاص على الوثيقة:
(الآن وبعد ماعادت المياه الي مجاريها والتقى النيل الازرق بالنيل الابيض، لينسابا بهدوء على طريق المصالحة، فيمكن ان نتساءل دون ادنى رغبة في الاستفزاز ؛عن مدى شرعية هذا القرار،فمن الذي قرر، وعلى اي أساس، ان يقتصر التفاوض قصرا على المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير؟)
ويعدد محمد ود لبات الادوار الكبيرة للجيش ودوره الحاسم في الثورة ويقول:( هذا الدور الذي لايمكن انكاره للجيش…لايخوله حق حصر الحقل السياسي على الثنائي المقدس(المجلس-الاعلان)
يقصد المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير.
ويقول مانصه( فهذا الحقل حقل الرجال والنساء الحائزين والحائزات على شرعية منبثقة من صناديق الاقتراع عبر عملية انتخابية حرة ومنتظمة وشفافة)
ويرى ولد لبات ان هذا التحليل ينطبق ايضا على قوى الحرية والتغيير، فالبرغم من دوره الذي يراه ويقدره في الثورة ( لكن كل هذا مهما تكن قوة تأثيره على نفس وروح اي مراقب لايجيب من منظور القانون الدستورى والعلوم السياسية على السؤال البسيط والحتمي فيما يتعلق بشرعية استئثار اعلان الحرية والتغيير بالتمثيل المدني وحصر المشهد على الثنائي المقدس( المجلس-الاعلان).
ثم يطلق ود لبات مايمكن ان أسميه الرصاصة الاخيرة القاضية على الاتفاق وتلك الوثيقة بكلمات من نار :
( بالرغم اذا من القيمة الذاتية لكل من ذينك القطبين( المجلس العسكرى – قوى الحرية والتغيير) فلا شئ يخولهما الحق في الاستحواذ دون الآخرين على عملية التفاوض الهادفة الي تحديد مصير الشعب والبلد).
انتهت هنا رصاصات محمد ولد لبات على الاتفاق والوثيقة التي كان فيها وسيطا. تلك الرصاصات التي وثقت في كتابه (السودان على طريق المصالحة.)
عندما سمعت باذني حديث ولد لبات ودفاعه عن نفسه انه كان ضد الاقصاء. اعتبرته رأيا استجد بعد ذلك الفشل وسقوط قوى الحرية والتغيير. ولكن بعد ان قرأت رصاصاته وليس كلماته في الكتاب، تاكدت ان هذا هو الموقف المبدئي له ولكن يظل السؤال قائما..لماذا لم يوقف ولد لبات تلك المخالفة التي تمت للقانون الدستوري والعلوم السياسية والعدالة..ولماذا استمر فيها مضحيا بتاريخ مهني واخلاقي عريض زامل فيه ناريري ومانديلا وزعماء افارقة عظام.
ولد لبات اجاب بعض الاجابة عن ذلك في الكتاب واحجم عن بقية القصة التي جعلته يتحمل هذا الوزر..او يحمله له التاريخ ؟
وحتى لاننسي ونستفيد من العبر والدروس في الحوار القادم ومستقبل البلاد.
هنالك اسئلة مهمة يجب ان تجد الاجابة.
المجلس العسكري آنذاك ماهو الذي جعله يتحول الي طرفا بدلا عن سلطة محايدة مهمتها الحفاظ على حقوق كل السودانيين. لماذا ساوى المجلس العسكري بينه وبين طرف سياسي صغير لايمثل كل الدولة وكل المجتمع؟
ماهي الضغوطات الخارجية التي اثرت على الاتفاق ؟
وماذا قال ود لبات في كتابه عن بعض الدول والقوى الاقليمية لنضع بذلك ميزانا لحماية الحوار القادم من خطر التدخلات.
في اعتقادى ان ولدلبات قدم شهادة وتوثيقا مهما عن الاقصاء والظلم الذي وقع على شعب السودان جراء ذلك الاتفاق وتلك الوثيقة.
تبقى ان يعلن الطرفان مسؤليتهما ايضا. وان يقرا بان العدالة ذبحت في ذلك الاتفاق المسمى وثيقة.
قوى الحرية والتغيير هل مازالت بعد كل هذا ترى انها وحدها في هذه البلاد الممثل الشرعي للحكم المدني بلا انتخابات؟
هل مازالت تعتقد انها تملك حق اصدار صكوك الوطنية وانها تحت شعارات الحرية ترى تدمير كل ماهو قائما فى بلاد السودان الا هي؟!!
لقد تنبأ إدموند بروك في كتابه ( انعكاسات على الثورة الفرنسية)
بأن القادم اسوأ وان مايحدث سيفضي الي دكتاتورية تنهي كل الفوضى القادمة.
ولكي نتعلم من التاريخ..ان لم نسع للاتفاق والعقلانية والمصالحة والقيم الاخلاقية للثورة..فستأتي دكتاتورية او حرب أهليه يصعب الرجوع الي ماقبلها.
اعلنوا مسؤوليتكم عن التجربة الشائهة وصححوا اخطائكم. ومدوا ايادى بيضاء الي الوطن.

التعليقات مغلقة.